الأحد، 19 نوفمبر 2017

جمال البراءة

جلست بقربه لأشاهد التلفاز وبعد لحظات شعرت بيده تستكشف ذراعي و تتلمس هنا وهناك، إلتفت إليه و نظرت إلى عينيه الواسعتين، بدت نظراته سعيدة، أخبرته بأني لست عروسة أو دب... قام من مقعده وقبلني عدة قبلات غضبت أمي وقالت : إبتعد عن ابنتي , ضحكت ...علقت أمي قائلة : لم أعتد أن أرى غريباً يقبلك ، لم أستطع أن أمنعه، وفِي صباح الْيَوْمَ التالي إستقبلني خارج غرفتي ومد ذراعيه طالبا مني ضمة وقبلة ، إقتربت منه وضممته ثم انحنيت نحوه وقبلته
 قال لي أحبك أمينة ، قلت له وأنا أحبك.
دعوني يا سادة أعرفكم على هذا الشخص ، إسمه جمال و يبلغ من العمر الأربع سنوات ، حسنا ما رأيكم بأن أعيد لكم سياق القصة من البداية؛ لأجلي  لكم ضباب الحيرة.

إحترت... من أين أبدا نضم كلماتي ، وكيف أسيق القصة........
بينما أصارع مجريات حياتي ، أقاوم بكل طريقة لأقود دفة قاربي نحو تيار الإيجابية الذي بدأ يتباطأ  كل يوم  ورياح الحزن تعصف بقاربي الصغير كل يوم أقوى من سابقتها   ، وبينما أنا هكذا وإذ يظهر أمامي طفلين ، نمت و استيقظت وإذا بوالدتي تحضر طفلين إلى المنزل، بِنَت في السادسة من العمر و أخاها قارب الأربع سنوات ، باختصار شديد أمي هنا تمثل دور المنقذ  ووالدا الطفلين في حرب وطيد ، ومنزلنا الواهن هو بمثابة ملجأ موقت إلى حين إنقضاء الحرب.
الطفل يدعى جمال و بشكل عجيب صدف بأنه يحبني ، عندما رآني أول مرة أقبل فيها إلى بيتنا أخذ يضحك ويضمني ، فرحت أمي لأنه أحبني ، وأخبرتني بأنه لم يتوقف عن البكاء و الاستفراغ عند بيت المربية بالإضافة إلى ذلك فهو يعاني من حساسية من بعض الأطعمة ، نظرت إليه وكلي عجب ، هل هذا الأمر جيد !
أخبرت أمي بأن وضع منزلنا لا يناسب الأطفال وأنهم لن يشعروا بالراحة فمنزلنا ضيق جداَ بالإضافة فأنت لا تستطيعين إحتمال إزعاج الأطفال ، أجابتني :ولكن أنا أحب الأطفال ، أجبتها بقليل من السخرية : أمي أنت لا تنامين إلى في هدوء كالموت ، وليس هناك غرفة نوم للأطفال هذا يعني بأنهم سيبيتون معك ، ولا تدعيني أتحدث عن صبرك الطويل لأني لا أريد أن أغضبك ، قالت لي : لا عليك هي فترة موقتة حتى يتوصل الأبوين الى حل ، و المهم أنه شعر بالراحة معنا و الأهم أنه أحبك ، قلت خيراً إن شاء الله  .
فِي صباح الْيَوْمَ التالي إستيقظت مبكراَ وحضرت لهما الحليب مع الفطائر و أجلستهما أمامي وأخذت أراقبهم  وأقول في نفسي سبحان الله ما أبدع خلقه أيادي صغيرة و ضحكات و كلمات لا أعرف دلالاتها  ولكنها تبدو أنها صادرة عن فرح  ، وبينما أنا كذالك أتأمل أقبلت أمي لتعيدني إلى الواقع ، أخبرتني عن سبب تواجدهما بيننا، كان الأمر مزعج للغاية... أيتهافت  الناس للزواج لكي يتأكدوا بأنهم أنجبوا الأولاد ثم يتقاتلوا و يعلوا بعضهم على بعض ؟! ليس من الائق أن أخبركم بتفاصيل القصة فأنتم بالتأكيد تعرفون قصصاً مشابهة.

دعوني أخبركم عن شقاوة جمال لا عن سخافة والده و عناد أمه ، في البداية كان يبدو الامر سهلاً و لكن اتضح لي أنه أصعب من دراسة البكالاريوس ، أمي هي العنصر الصارم بنظره فهو يهدأ أمامها و يستمع لما تقول ، أما أنا فلست متاكدة سأحكي لكم ويمكنكم إخباري بأنفسكم ، بشكل عام أنا لا أخالطهم كثيراً لأني لم أرد  أن أشعرهم بصرامة أمي الذي لا أفضله وثانياً لم أرد أن يعتادوا علي لأنهم سيغادرون بعد بضعة أيّام فلا داعي للشوق الذي ليس له معنى ... أو ربما لأني لا أريد أن أحبهم بشدة ليأتي يوم يتلاشو فيه من حياتي.  

ولكن مر شهر كامل على وجودهما و هذا هو الشهر الثاني يقبل بأيامه علينا ، أظن بأنهم سيمكثون وقتا أطول مما كنت أظن ، أصبحت أجلس معهم زمن أطول ، كانت المشكلة الأساسية مع جمال وقت قضاء الحاجة  ، كان يدخل الى دورة المياه و يلعب هناك و ترى ( الككا) في كل مكان ، أخبرته بأنه يجب أن يجلس هنا و يفعل كذا ويجب  أن يُعلمني حتى أقوم بتنظيفه قبل أن يرتدي بنطاله  وألا يلعب بالماء ، ولكن لم يبدو الكلام سهلاً عليه ، أخذت أعيد عليه الأمر مع قليل من الترغيب و الترهيب و بعد أسبوع من الصراع إستجاب لطلب واحد فقط ألا وهو أن أنظفه ، المشكلة تكمن بأني أصبحت أقلق عندما يلمسني بحيث أخشى أن تكون يداه أو ملابسه متسخة بسبب لعبه في دورة المياه ، وبالتالي كيف سأصلي الصلوات الخمس؟ لذلك كنت أخبره بأنه إذا لعب في دورة المياه فلن يتمكن من ضمي أو لمسي لأنه غير نظيف ، وعندما تقوم أمي بغسله ، أقوم بضمه و تقبيله و أقول له بأنه نظيف... فيجيبني نعم أنا نظيف .

في يوم ذهبت أمي  إلى عرس ، فجلست معهم ، أخبرني جمال بأنه جائع ، حضرت الطعام و أطعمتهما بيدي وبعد نصف ساعة أطفأت التلفاز و طلبت منهما النوم ، بدأ جمال بالصراخ ، أخبرته بأنه حان وقت النوم رفض وأصر أن يشاهد التلفاز ، أجبته بأنه يمكن أن يشاهد الرسوم المتحركة في صباح  اليوم التالي و هو يتناول الكعك مع الحليب ، رفض و استمر في الاعتراض .

(ليس من السهل أن تجلس على ركبتيك لتقنع طفل لماذا يجب عليه أن ينام في الليل ، مهما بلغ الإنسان من العمر و اكتمل رجاحة عقله و أصبح يقوم بمهمات الحياة بشكل سلس و من دون أي شعور، في بعض الأحيان يقودنا عقلنا الباطني الى الروتين الذي عودناه عليه، وفجأة نضطر لأن ننحني أمام أطفالنا لنشرح لهم الحياة من جديد ، لنعلمهم كيف ياكلون و يشربون ، وعندما نجاهد لنقرب لهم مفهوم الأشياء البسيطة و تحاول إقناعهم بها،  إنهم جديدون على كوكبنا إنهم ما زالوا جاهلون عن كيفية سير عالمنا ، ألا تلاحظ حيرة نظراتهم حينما تتحدث معهم عن أمر ما  فعالمهم كان أبسط بكثير... عالم صغير مليء بالدفء و متوج بالحنان )
توقف جمال عن البكاء و لكنه رفض أن ينام ، قلت له :لا بأس يمكنك اللعب و أنا سوف أنام ، و عندما تشعر بالنعاس إذهب إلى سريرك ، ذهبت الى غرفتي طلب مني ألا أقفل الباب قال: أرجوك لا تسكري باب.
 سبحان من خلقه ، تركت الباب مفتوحاً و جلست على سريري أنتظره حتى ينام ،  جلس قليلا على عتبة الباب ثم ذهب يلعب بالمكعبات ، و بعد نصف ساعة أطفأت النور و استلقيت على السرير ولكن بعد دقائق لم أعد أسمع قرقعة المكعبات ، و أصبح الجو أكثر هدوءً ، قلقت و نهضت من فراشي و مشيت نحوه بخطوات هادئة و إذا هو نائم في فراشه و شخيره يراقص سكون الليل .
كأنه كان ينتظرني كي أنام ليشعر بالراحة و الطمأنينة ويستسلم لسطوة النوم .

بعد مرور ثلاث أسابيع من الشهر الثاني أخبرتني أمي بأنهم سيعيشون مع والدتهم ، وأنه بعد ساعة واحدة سيرحلون من بيتنا ،   تعجبت هكذا فجاة يذهبون كما جاءوا ! أسرعت إلى الثلاجة و أحضرت لهما طبق الحلوى الذي حضرته خصيصا من أجلهما وأجلستهما أمامي و بدأت أطعمهما لقمة لك و لقمة لكِ، أخذت أحدث نفسي و أقول أتمنى أن نكون قد أحسنا إليكما و ربما تمكنا من تعليمكما شيء أو شيئين . قبلتهما وذهبت الى غرفتي بينما هما يشاهدان التلفاز ، و بعد ساعة لم يعودا بيننا و بعد يوم أصبح البيت في سكون مطبق لم يعد هناك صوت لأقدام تركض ، ضحكات تحلق في الجو ولا حتى صراخ يزلزل العقل .

رغم مرورهما السريع على خط حياتي إلا أنني تعلمت أمورا كثيرة ، جعلاني أنهض من أجلهما، بالرغم من غرقي في بحر وحدتي كنت أبتسم لهما أستمع الى حديثهما أتأملها ، فأنا لم أخالط أطفالاً منذ زمن طويل ، و أنا كنت أصغر إخوتي ، لم أجرب شعور الأخ الصغير ، مع أني في أحيانٍ كثيرة أعتني بإخوتي الكبار و أدافع عنهم أمام أمي ، و عندما تذهب أعاتبهم .
 فرحت من أمي كثيراَ، فلقد علمت الطفلين الصغيرين أموراَ كثيرة ، رغم صرامتها و لكن عاد عليهما بالنفع أصبحا يلبسان ثيابهما بنفسيهما  ، و يعرفان كيفية إستخدام دورة المياه بطريقة صحيحة ، و يأكلان بنفسيهما، و بين فترة وأخرى أطعمهما بيدي من باب الحنان ، وجدت أنهما يستمتعان بذلك .

(أخيراً ارأفوا بمن هم أضعف منكم، فربما يكون ظهورهم في حياتكم إختبار
 من الله، ليرى ما أنتم فاعلين بقوتكم)  
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))

بقلم : 
أمينة عبد القادر عثمان.

الأحد، 30 أبريل 2017

(لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ)


يامن تستكثرون على وجنتي الضحكات فأبشرهم بأن وسادتي غرقت من دموعي   يامن ترون في مرحي المنكر فسأُخبركم بأن البؤس مزق جسدي ، يا هذا الذي ترى في عفوية تصرفي غباء ، فاعلم بأن سوط اللؤم أسقم ساعدي ، يامن تظنين بأن في تفاؤلي نقصاً ، فاعلمي بان كابوس التشاؤم سمم أحلامي ، يا من تستنكرون براءة تصرفاتي ، فاعلمو بأن سلاسل الظلم قيدت يدي و رجلي.

تتعاقب على أحزاني الفصول ، ألم تستطيع حرارة الشمس صهر أحمال المصاعب التي أحنت كتفي! و لم يقدر زمهرير الشتاء كسر الأغلال التي أثقلت قدماي فلم أتمكن من التقدم قدر أنملة ، يا أحزاني ألم تخجلي من أزهار الربيع فتكفي عن مضايقتي ، لماذا لا تتساقطي عن شجرة حياتي وتجفي و تتلاشي كما يحدث لاوراق الخريف؟!

يامن تستكثرون على شفتي الإبتسامة ، فصدقوني هي كل ما أملك من أمل، إنها القشة التي تربطني بالحياة  يامن تريدون تدنيس براءة قلبي الأبيض ، فاعلمو بأن براءتي المتبقية هي ما تبقيني أتنفس ، أتريدون أن تسلبوا مني أنفاسي وتغرقوني في بحر عنجهيتكم .

تريدون أن تتحكمون بخيوط حياتي كدمية ورقية؟ أيا ترى هل لأنكم أقوى مني وأقدر! أم لأنكم ضعفاء لدرجة ترغبون أن تُحكِموا قبضة حسدكم على رقبتي فتفصلوا جسدي الواهن عن رأسي المثقل بالهموم.
هل يبدو العبوس لكم عملية سهله ؟ فمن أجل الحصول على وجه مجرد من البهجة يحتاج الوجه إلى استخدام عضلات أكثر وحرق جهد أكبر .
أنا انشر ضحكاتي في الأرجاء لكي أطرد شياطين بؤسِكم  ، أتبسم لعل بسمتي تضيء حياة قلب أطفاتموها بجهلِكم ، أتبسم حتى تلمع عيناي لتبدو كنجم مشع في عقول ملئتموها بغروركم ضباب المعاناة حتى لم تعد تستطيع السير داخل غشاوته  بإظهار عفويتي أنعش قلوباً أنتم اعتصرتموها بتجاهلكم حتى توقفت عن النبض أخفي أوجاعي و أظهر محاسن أموري لأزرع الأمل في من أقحلتم حياته بإحباطكم إياه فقط لأنكم لا تعترفون بمصطلح المديح الى وقت المصالح.

حتى إذا استجبت لجبروتكم، فأطبقت شفتاي عن الضحك كما تطبق الوردة على بتلاتها لتحرمنا من جمال روحها وأجبرت قلبي على السكون، لتبدوا كليلة هطلت عليها الأمطار بغزارة ثم توقفت وشدت رحالها تاركة المكان في حالة من السكون يصعب علي وصفها بالكلمات ، فهناك مشاعر لا توصف .
جلست دون حراك كدمية جميلة ، مجرد أنفاس تُحرك قفص صدري ، تُصارع رئتاي ضلوعي على الإرتفاع لتزود قلبي الواهن بالأكسجين ، دقات قلبي لم تعد تُلحِن و تُطرب لروحي ،كأنها تناست لحن الحياة فقررت تقمص لحن عقارب الساعة المجردة من جميع إنعكاسات الحياة فلا ترى خلالها سوى خيالات أناس كانوا يعيشون في زمن المحبة و الرحمة و الانس .

ما فاجأ عقلي و أدهش حواسي ، لن أقول بان بدني اقشعر لأنه لم يعد يأبه بهذه الحياة  عندما أقبل من أجبرتني سطوتهم على ما أنا عليه ، ليزدروا مرة اخرى بقولهم : لم أنت حزينة تبدين شاحبة كالمومياء ، وجهك مجرد من الملامح ، كرسام شرع برسم لوحة فاتنة غير أن ألوانه نفذت  قبل أن يضع لمساته الاخيرة ،فنظرت إليهم لأجيب ولكن صوتي غرق داخل حنجرتي ، لم أعد أقدر عن الدفاع عن نفسي.
 آه لو أن لي وزيراً من أهلي ليحجِب  بفصاحة لسانه و أناة صوته آذيتهم ، آه لو أن لي أبا يخيفني بين ضلوعه و يضع يده على أذني كي لا أسمع بها صوتهم ، فلا أسمع الى صوت قلبه بأذني الاخرى ، ولكن أخفى عني القدر شاهد قبره ، ولَم يمنحنا الزمان وقتا لكي نتعرف على بَعضِنَا لكي أُمتع شفتاي بقول كلمة أبي لكي أُسجل في شريط ذاكرتي ملامحه ، ضحكاته و صوته الذي كان يغني لي و أنا طفلة .

أنظر الى إخوتي وقد شتتهم طرق الحياة  ، وقذفت بهم أمواج الواقع  بعد أن قلبتهم رأسا على عقب و جردتهم من كل جميلِِ أودعه الخالق داخل عقولهم ، ألقت بهم على جزيرة العزلة فهل من منقذ لهم ؟!
أعيش تحت سقف متشقق يكاد أن يهوي على رأسي ،غير أن أصابع القدر ممسكة به  أسير بقدمي على أرض تبدو سوية ولكن زلزال الغربة مُتأهب لكي بزلزلها من تحتي فأهوي الى جحيم عبوديتكم غير أن سخور  القدر لا تزال متماسكة .

اذا كنت حزيناً فليس بالظرورة أن يكون الجميع في حالة من الحزن ،إن كنت مهموما فليس لك الحق أن تجرنا الى ظُلمتك ، إن كنت سقيما فلا يجوز لك أن توخِزنا بمصل الشلل فلا نقدر على الحراك ، يمكنك أن تخبرني بأنك مهموم فاواسيك يمكنك أن تخبرني بأنك مريض لكي أعالجك ، يمكنك أن تهمس لي عن حزنك لكي أبحث عن كل أسباب الضحك و أقدمها لك لعلي أتمكن من دغدغة قلبك بالضحكات  إن كنّا جميعا تعيسون فما الجدوا، إن كنّا جميعا غاضبون فما النفع من ذلك ، رجاء اخبروني ؟

نحن جميعا محتجزون في هذه الحياة، كُتب لنا أن نعيش فيها كل منا ومدة عمره فمنا من يعيش المئة، و منا من يتحرر في المهد ، مهمتنا أن نتعاون و نتشارك لا أن نتنافس و نتقاتل ، ليس بالظرورة أن نقضي حياتنا في معارك عقيمة ، إذا وجدنا الفرصة في أن نعيش في سلام فلم نستعجل الحرب، إذا أقبل علينا عبير الرضى فلماذا نلوثه بأنفسنا الكريهة ؟! إذا وجدنا من يضحك فلماذا لا نضحك معه فنجدد أرواحنا ؟ لماذا نتسارع لإخماد شعلة أمله حتى ننسيه لذة الشعور بالفرح ؟

الحياة هي أن نبحث عن أي ثغرة للأمل، عن أي نور للسلام ،عن أي فرصة للمرح، عن أي دقيقة للسكون عن أي لحضة للتعاطف ،لأن صدقوني كل ماهو عكس ماذكرت يقدم على طبق من ذهب ، يوزع بالمجان ولا يباع .


أعد المقالة : أمينة عبد القادر عثمان.

شوط لرقص الكلمات


      أجلس خلف مقاعد فاخرة على أرض ممددة بفراش كريمي اللون ، يعلو رأسي سقف مزين بالثريات ،أجلس كما يجلس شيخ القبيلة من دون أن أتكئ  مرتدية  لباس بسيط لا يليق بفخامة المكان و حدث الزمان، أحتسي قهوتي العربية التي سكبت بكرم من دلة مطلية بلون الذهب ، أستلذ بحلاوة قطع الشوكولاة .

الفتيات مطلات بأجمل الفساتين ، شعورهن مسرحة كما لو كنت محاطة بالحور العين ، أجلس حولهن ولاكن لا يلاحظن وجودي ، لأنني ببساطة مخلوق لطيف رقيق أخفي جمال شعري المجدول بطرحة سوداء و أحجب إمتلاء شفتاي وغمازة وجنتي اليمنى بنقاب ، فلا يظهر سوى حدود عيني الواسعة ونظرتي الضاحكة .
النساء يتحاورن و الفتيات يرقصن على إيقاع الطبل و الدف ، دلال القهوة تجود بكرم حاتم ، قطع الحلوى المعدة على يد أشهر الطهاة لترضي ذائقة الحاضرين .
حتى إذا حل منتصف الليل أقبلت العروس برداءها الأبيض، تغشاها طرحة بيضاء طويلة كما يغشى ضوء الشمس سطح النهر لتزيده لمعة وجمال تسحربها عين الرائي ، أطلت على الحاضرات حاملة بيديها باقة ورد أبيض متوردة برذاذ الخجل ، خطت على ممر يعكس أنوثة وجهها، أقبلت و تأملتها العيون و نطقت الشفاه بماشاء الله . جلست على عرشها المرصع بالورود الذابلة أمام جمالها .

قد يسال ساءل عن حالي ، ماذا أصنع في ذلك المكان و أنا بهيئة غريبة؟! أبدو كمن زرع الياسمين بين الخزاما .
عزيزي القارء ببساطة أنا أعيش في هامش صفحات الآخرين ، أمثل دور ثانوي في حياتهم ، أشاهد أفراحهم كما تشاهدنا النجوم من بعد ملايين الاميال .
أقدم لهم يد المساعدة دون الترقب الى الشكر ، كيوم تكون في مأزق و لا تعلم ما ذا تصنع أو كيف تتصرف فيقبل عليك شخص تجهل من هو فينقذك من كربك و يمضي في طريقه ، كيف سيكون شعورك حينها ؟ أنا أبدو في واقع الحال كذلك الشخص  قد تكون رأيتني مسبقا قد أكون مررت بطريق حياتك و رسمت البهجة على وجهك  و أدفات قلبك .
ها أنا ذا الْيَوْمَ أدوّن في مفكرتي لحظات من حياة الآخرين  كعدسة تحبس إحساس اللحظة على سطح ورقة بيضاء لتبقى لأجيال قادمة ، وعندما يحين يومي و أكون بطلة قصتي ليست المفكرات الصغيرة من ستسطر حياتي ، بل ستتسابق المجلدات والعقول و الافئدة لتحتوي شعاع نجمي .

وبينما كانت كلماتي تتسابق كي تحجز لها مقعدا بين سطور مفكرتي ، انطلقت وداعية العروس لتنقلها الى بيت  الزوجية ، ومعها تباطأت كلماتي واستراحت في مهاجعها استعدادا للقصة القادمة .

أعد المقالة : أمينة عبد القادر عثمان.

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

رداء الظلام



لماذا لا توجد لدينا الرغبة إلى الإنصات لبعضنا ، لم تعُد صُدورنا تتسع لمشاكل الآخرين بالأخص المقربين منا كالأُسرة ، سَمعنا لم يعد يحتمِل موجات الألم والأحلام التي برأينا الشخصي بعيدة المنال ، ليس لأننا لا نُؤمن بمصطلح الحلم ، ولكن عندما تخرج فكرة الحلم من شخص لا يُنجِز في واقعه الأمور التي تقربه خطوة أو خطوات إلى حلمه المنشود ، وقتها يصبح الحلم أقرب إلى المعجزة ، يصبح مجرد مهرب من الواقع بالنسية له ، وبالنسبة لنا نحن المستِمعون يكون مجرد ألم لطبلتي أذنينها ، لماذا نتألم ؟! لأن أرواحنا لم تألف الحزن وروتين المشاكل .
أتساءل كثيراً، ألا تتعبون من كثرة التأفف و نشر رذاذ الإزدراء في زوايا قلوبنا؟ ،حتى أصبحت لا تُزهر سوى شوك الأنين ، أتعشقون التذمر إلى حد إختلاق مشكلة من فراغ ؟ أم ماذا أقول لمن يهوى التشكي من نفس الموضوع في كل مرة ويقضي جل حياته وهو يُمزق وينسج في نفس الموضوع، حتى تمنيت أن يتذمر من موضوع جديد ، يالها من سخرية !

هناك من يطرق باباً مراراً وتكراراً، ويقضي زهرة حياته وهو مصر على أن يلج إلى الدنيا من ذلك الباب ، والمؤسِف أنه يُجبر من  معه على الإنتظار لحين انفتاح ذلك الباب ، وإن حاولت إرشاده إلى باب أخر أو عدة أبواب اعترض مباشرة ، وتربع على عتبه الباب يحدق إلى ذاك الأفق الضيق، حتى إذا يإس انهمر بجل غضبه ويأسه ليهلك كل زهرة سعادة داخل قلب كل شخص قريب منه، متناسيا أنه هو من صنع لنفسه رداء الظلام ، فلم يجبر الأخرين على ارتدائه؟!

أعد المقالة :
أمينة عبد القادر عثمان.

بين أرض الواقع و سماء الإفتراضية




كُلنا تراودنا تلك الأحلام و الرغبات ، ماهي رغبتك ؟ بماذا تحلم ؟ أخبرني عن خططك المستقبلية وأين ترى نفسك بعد عدد من الأعوام ؟؟
هذه الإستفسارات وغيرها تكون غالبا محور حديثنا، سواءً أكان مع أشخاص جدد أو من نعرفهم من قديم الأزل .

بطبيعتنا نعشق كل جميل ، و نرغب بِكل نفيس ونهوى كل نادر، ترانا نغوص في كلمات الرغبات  عن أي رغبات أتحدث ؟! إنها رغبات و أحلام الحياة ، كشراء سيارة فارهة و التربع  داخل بيت فسيح ، والإقتران بزوجة من الحور العين، وإنجاب أبناء بمواصفات خاصة، والعيش في مدينة تتسم برقي في الحضارة وسمو وفي أخلاق ساكِنيها ، الحياة كما  يجب أن تكون برأي كثير من الأشخاص ، هؤلاء الأشخاص كثيراً ما نصادفهم يتحدثون عن المثالية، يخبرونك كيف يجب أن تكون الحياة وعلى أي نحو يجب أن تُساق  الأمور ، قد تقضي معهم ساعات طوال دون أن تخرج منها بفائدة تذكر ، كلما حاولت أن تجذبهم إلى الواقع حلقوا بك إلى أعالي السحب .
هناك خيط رفيع بين الحياة الإفتراضية والحياة الواقعية ، فعندما  تطلب المثالية من الآخرين يجب أن تكون مثاليا بالمقابل ، وهذا غالبا محال، و المثير للدهشة أن كثيراً ممن يطالبونك بارتداء ثوب المثالية ، يرتدون ما هو نقيضه .

كلنا نعلم عن مثالية الحياة وكيف يجب أن تكون ، فنحن نعيش المثالية عند استماعنا لقصة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كيف غير حياة من حوله ، من الفوضى إلى الإنتظام ومن العشوائية إلى النقاء و الوضوح , من ظُلمة الجهل إلى نور العلم، ومن ضيق العقل إلى سعة أفق التفكير  ومن ثم تبعه الخلفاء الراشدون ، حاولوا بكل جهدهم  التشبث بمثالية الفكر و الأخلاق ، أصروا أن يقودوا أمتهم نحو طريق الكرامة و الإنسانية  ولكن مع توالي الصفحات وتسارع عقارب الزمن بدأ زمرة من البشر الحيود عن طريق الإنسانية ، ورسموا طريقاً أخر يخدم مصالحهم ، ثم بعد ذلك أقنعوا الناس لإتباعهم ، مع توالي الأجيال تزايد عدد الطُرق ، ودثرت رمال النسيان طريق الصواب ، حتى لم تعد ظاهرة للعيان ، من أراد البحث عنها فليتبع نجم ضميره المتوهج داخل سماء صدره ومن أُبتلي بعدم ثبات بوصلة صدره فعليه أن يُحسن إختيار من يتبع من قومه .

فمن أحسن الإختيار حاز على الفلاح ووقاه الله بمشيئته سبحانه من وحشة الواقع 

ووحدتها العابسة .

أعد المقالة :

أمينة عبد القادر عثمان.

الثلاثاء، 11 أبريل 2017

حكاية عدسة








أضواء متلألئة ،وفساتين متألقة ، خدود متوردة ، ثغور مطلية بلون الورد الأحمر ، السعادة تلوح في الأفق  الضحكات تترنم في أجواء المكان ، مكان يغلفه غشاء من حرير البهجة مرصعة بلمعة النجوم في كبد السماء في ليلة مهلة القمر ، كان عقد قران زوجين ، أطلت العروس مرتدية فستاناً بلون الخزامى وقت غروب الشمس  كانت خصل شعرها تنساب على أنحاء عنقها لترتاح على نحرها كعقد لؤلؤي ، ليس من الائق التحدث عن صفات العريس ووصف انعطافات وجهه ولكن يمكنني أن أخبركم عن جمال وهدوء ظله .

كان شبح الغموض يتجول في أرجاء الحفل السعيد ، أخذت أتمعن أكثر عن الخطب ، وبعد استخدام منظار خاص  لعلمك أيها القارء العزيز هذا المنظار متخصص في فحص نوايا الناس الحقيقية وخبايا قلوبهم العميقة ، كما أنه يحتوي على ضوء خاص يظهر ملامح الوجوه الحقيقية المختبئة خلف مساحيق التجميل ،حينها شاهدت كرب عظيم ومشاعر سوداوية وضباب من الكراهية ورذاذ من الأنا يمتص هواء الزوايا حتى كادت السماء أن تختنق. 

لا أريد أن أسوقكم داخل دهاليز أهل العروسة الموحشة ولا أن أغوص بكم في أعماق مكر أهل العريس ، ولكن أكثر من تملك عاطفتي هي المرأة التي أتت لتصور بعدستها ابتسامة قلب العروسين وأُنس الحاضرين ودمعة 
فرحة أم العروسة وفخر أنف أم العريس.

للأسف لم تجني غير سوء المعاملة حتى كادت عدستها أن تتهشم من كثرة حبيبات غبار الإساءة، لحسن الحظ أنني كنت بقربها لأواسي غمازتيها الحزينتين وأضم قلبها الناكر لموقف الحال .


أعزتي ارحموا قلوب المتحابين وحبذا أكثر لو ابتهجنا لمن يقدمون من أجل المشاركة في أفراحنا.



   بقلم : 
أمينة عبد القادر عثمان

أم عبد الله