كلمات مبعثرة في ثنايا ذاكرتي ، أوراق بيضاء ليست كالأوراق العادية
إنها أوراق يمكن التحكم بأحجامها وأشكالها ، يمكن أن تكون بحجم الحائط أو بحجم كفة
اليد ولكن إذا كنت شخصاً بليغاً جداً قد تكون بحجم القلادة ، منها بيضاء كالثلج ، وبعضُها مصبوغة بلون الليل الحالك ، ما
رأيك بعبير اللون الأحمر ، بتموج زرقة النهر ، بحفيف خضرة الشجر ، اندماج صفرة ضوء
الشمس بأفق الشروق .
مازالت كلماتي المبعثرة عاجزة عن الانتظام ، رافضة لجميع إغراءات الورق لها ، أبت أن تستريح بين أحضان تلك الصفحات ترى ما بها كلماتي حزينة ثائرة ، تُراها لم تثق بالورق ،أهي تخشى أنلا تُقرا وتضل حبيسة بين أسوار السطور وظلمة الأرفف .
أخبرتها مرارا بأن هناك عالم جميل ينتظرها ، قلت لها بأن عتمة ذاكرتي ليست هي الخلود ولكن كلماتي انحنت بانكسار وانكمشت على نفسها ، غرقت في دموعها ، توسلت إليها أن تهدأ ،قالت لي بصوت ينساب برقة الحرير قادم من عمق الزمن بنبرة تعكس انكسار القلب بنظرة تحجب حنين النفس ، ابتسمت دون أن تظهر تلألؤ روحها ، كيف يمكنني أن أنتظم وأستقيم على ورقة زلقة الأسطر ليس لها مبدأ ولا طريق سوي ، تريدين مني أن أتراقص على ورقة تبدو مُزهِرة بلون العشق ولكن سطورها باردة كالصقيع لم أعد أشعر بأطراف نقاطي ، تريدين مني أن أستلقي على ورقة دافئة بصفرة ضوء الشمس ، ولكن عيناك لا ترى كم هي محرقة تلك الأشعة كأنها سهام تخترق جسدي فتُضمر أعصابه حتى لم أعد أشعر إلى بشيء واحد وهو الشعور بالا شيء البتة ، ما الجدوى من الاستمتاع بزرقة النهر و الابتلال بعذوبته للحظات قد تعد بالثواني أو بأجزاء منها ثم يأتي ذلك السيل ليغرقني ويخنقني داخل وحدته ، لا تغتري بكثرة الأوراق و تلونها وتشكلها أمامك فأنا بحاجة إلى ورقة تعيد لي شكلي وإعرابي الصحيح ، ورقة تُنظم سطورها من أجل انتظامي ، تسمح لي بالإستلقاء بين جنبات حدودها دون أن تحكم على مدى عشوائية حروفي
ورقة تتشكل وتتزين من أجل أن تريح اعوجاج رسمي وتستره عني ، ورقة تغسل بزرقتها روحي فتزيل عنها رضوض الماضي ، ورقة بخضرتها تقتلع عني الكلمات السامة التي اجتاحت قلبي حتى ذبل و بهت .
إبتسمت لبرائتها و أشحت نظري عن ضعفها ورفعت بصري إلى أمالها وأخبرتها بصوت مكسو ببهجة ليخفي رجفة الحزن ، بأني سأضيء سراج ذاكرتي بشمعة الأمل علها تدل كلماتي المبعثرة إلى طريق الإستقرار ، وربما أرشَد ذلك النور المنبعث من ذاك السراج تلك الورقة .
بقلم : أمينة عبد القادر عثمان .
تصميم الصورة : أمينة عثمان .